­ما طبيعة العلاقة بين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة؟
}رحماء بينهم{ كما أخبر ربهم.
ولعلِّي أورد ما يدل لذلك..
قال أبو بكر لعليٍّ رضي الله عنهما: "والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي" رواه البخاري ومسلم.
وقال أبو بكر رضي الله عنه : "ارقُبُوا محمَّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته" رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم"([9]).
وفي صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: "صلَّى أبو بكر رضي الله عنه العصرَ، ثم خرج يَمشي، فرأى الحسنَ يلعبُ مع الصِّبيان، فحمله على عاتقه، وقال:
بأبي شبيهٌ بالنبي --- لا شبيـــهٌ بعلي
وعليٌّ رضي الله عنه يضحك".
وفي العبارة حذف والتقدير: أَفْدِيه بأبي كما قال الحافظ رحمه الله([10]).
وكان عمر رضي الله عنه يبدأ في العطاء بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية رحمه الله: "وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان، وقالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه. فقال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش"([11]).
وفي البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن. والمراد: التوسل بالدعاء، وإلا لو كان توسلاً بذاتٍ فرسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بذاته.
وكان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان –رضي الله عنهم- وهما راكبان، نزلا حتى يجاوزهما؛ إجلالا لعم رسول الله([12]).
وقال عمر للعباس –رضي الله عنهما-: "والله لإِسلاَمُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطاب لو أسلَمَ؛ لأنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب" رواه ابن سعد في الطبقات، والطبراني.
وروى مسلمٌ في صحيحه عن شُريح بن هانئ قال: أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فَسَلْه؛ فإنَّه كان يُسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم.
ولما أراد الحسين أن يخرج إلى العراق مَن مِن الصحابة لم يسد النصح إليه؟ وما ذاك إلا لعظيم حبِّهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما بلغ أمَّ سلمة رضي الله عنها مقتلُ الحسين رضي الله عنه قالت: قد فعلوها، ملا الله قبورهم عليهم نارا، ووقعت مغشيا عليها([13]).
ويكفي لبيان أن علاقة آل البيت بالصحابة علاقة يُظَلِّلُها سقف المودة وتحيط بجوانبها المحبة المصاهرةُ بينهم..
فأبو بكر وعمر ري الله عنهما لهما ابنتان من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان متزوجاً من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولما أراد أن يتزوجها قال لعلي رضي الله عنه : "يا أبا الحسن، ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري» أخرجه أبو بكر الشافعي في الفوائد. قال المناوي رحمه الله: "ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب"([14]).
وعثمان رضي الله عنه تزوج باثنتين من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تزوج أحد من العالمين ببنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه .
وتزوج عليٌّ أرملة أبي بكر أسماء بنت عميس رضي الله عنهم.
ومحمد بن علي بن الحسين (الباقر) رحمه الله تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فابنه جعفر بن محمد "أمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين. وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر"([15]).
وتزوج أبان بن عثمان بن عفان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه .
وتزوج سكينةَ بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مصعبُ بن الزبير بن العوام([16]).
وكما كان الصحابةُ حافظين لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بآل بيته كان الأمر كذلك من آل البيت، عرفوا للصحابة مكانتهم، وراعوا فضلهم، وذبوا عن عرضهم، فرضي الله عنهم أجمعين، ومما يبين ذلك:
حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين: وُضِعَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ أَخَذَ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».
وعن سويد بن غفلة قال: قال لي علي حين حرق عثمان المصاحف: "لو لم يصنعه هو لصنعته" رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف، والطيالسي.
وقال علي رضي الله عنه : "أيها الناس إيَّاكم والغلوَّ في عُثمان، تقولون حرق المصاحف، والله ما حرَّقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"([17]).
وكان الحسين من جند عثمان رضي الله عنه ؛ فقد شارك في فتح إفريقيا بقيادة القائد عبد الله بن أبي السرح رحمه الله.
وجلس قوم من أهل العراق إلى زين العابدين رضي الله عنه ، فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما، ثم ابتدأوا في عثمان فقال لهم: أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين الذين }أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله{ [الحشر: 8 ]؟ قالوا: لا. قال: فأنتم من الذين }تبوأ والدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم{ [الحشر: 9]؟ قالوا: لا. فقال لهم: أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم: }والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا{ [الحشر: 10]، فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام، ولستم من أهله"([18]).
ولما سئل ابنه زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر لما خرج على هشام بن عبد الملك قال لشيعته وأنصاره: "هما وزيرا جدي" وأثنى عليهما، فرفضوه لذلك وسموا بالرافضة.
وكم كان آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون أولادهم بأسماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! فلعلي رضي الله عنه من الأولاد (أبو بكر، وعمر، وعثمان)، وللحسن بن علي (أبو بكر)، ولعلي بن الحسن (عمر)، ولموسى بن جعفر (عائشة وعمر)([19]).
وبهذا تعرف لماذا لم تُكتب أسماء كثير من آل البيت على شواهد قبورهم في كربلاء!
إنّ آيةً في كتاب الله بينت علاقة المودة والرحمة بين الصحابة وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{ [الفتح : 29]، فالصحابة من آل البيت وغيرهم كانوا رحماء بينهم، ومن جاء بعدهم سلك سبيلهم واقتفى أثرهم